التعايش اللغوي بين اللغة العربية و لهجاتها في ضوء الثنائية اللغوية – الجزائر أنموذجا
تمهيد:
يعدّ التعدّد اللغوي خاصية تميّز المجتمعات المعاصرة، الّتي احتكّت فيها لغاتها، وتأثّرت وأثّرت في غيرها، ولأنّ الأصل في العالم التعدّد لا الأحادية،ويشير مفهوم التعدّد في اللسانيات الاجتماعية إلى وضعيات تواصلية لغوية خاصة، يستخدم فيها أكثر من نظام لغوي، فهو “قدرة الفرد على استخدام أكثر من لغة واحدة”[1]، ولا يقتصر التعدّد اللغوي على الفرد، وإنّما يمتدّ ليصبح ظاهرة إجتماعية ينطبع بها هذا المجتمع، فهو “الوضع اللغوي لشخص ما، أو لجماعة بشرية معينة تتقن لغتين أو أكثر”[2].
ويتطلّب وجود التعدّد اللغوي امتلاكًا للكفاية اللغوية في اللغات المستخدمة في وضعية التعدّد، ولا تعني الكفاية هنا الإتقان الكلي والمتساوي للغات، وإنّما القدرة على استخدام هذه اللغات أداة للتواصل، كما يشترط أيضًا قدرة الفرد على الانتقال والتحوّل من لغة إلى أخرى في موقف كلامي واحد. ولا يمكن الحديث عن التعدّد اللغوي إلاّ من خلال التركيز على الثنائية اللغوية.
إنّ أوّل من تحدّث عن هذه الظاهرة هو اللغوي الألماني كارل كرمباخر(karl krimbacher) في كتابه: “مشكلة اللغة اليونانية الحديثة المكتوبة”، حيث أشار بشكل خاص إلى اللغتين اليونانية والعربية، فدعا اليونانيين إلى تبنّي العامية كلغة رسمية، والعرب إلى ترك العربية الفصيحة وتبنّي اللهجة المصرية كلغة قومية.
أمّا وليام مارسيه(William Marçais) الّذي يعدّ أوّل من ترجم المصطلح إلى اللغة الفرنسية (diglossie) فذهب إلى أنّ الثنائية هي “التنافس بين لغتين، أولى أدبية مكتوبة، ولغة عامة منتشرة وشائعة”[3].
وفي سنة 1957 استخدم اللساني الأمريكي شارل فرغسون(Charles Ferguson ) هذا المصطلح المأخوذ من اللغة الإغريقية، وإن كان هذا المصطلح لا يعني في اللغة الإغريقية سوى “الازدواجية اللغوية” فإنّه اكتسب عند فرغسون معنى مغايرا وأدقّ.
[1]-B.Rotimi Badejo: Multilingualism, Vol.3 No.2 1989, P42.
[2]– ميشال زكرياء: قضايا ألسنية تطبيقية –دراسات لغوية اجتماعية نفسية مع مقارنة تراثية، دار الملايين، بيروت، ط1، 1993، ص35.
[3]-W. Marçais, La diglossie Arabe, L’enseignement Public, 1930, Vol 97, p 402.