تنغيم الصوت في الأداء اللغوي وأثره في الدلالة
مستويات أداء الصوت اللغوي الإنساني المجرد متفاوتة من جهات عدة أدركها القدماء بالملاحظة الشخصية ، وأثبتها المحدثون بالاستقراء والتجربة ؛ منها ما يرجع إلى طبيعية عضوية خاصة لا مورد لإرادة المتكلم في علاجها ، ومن مصاديقها السمات التي تُميِّزُ بعض الأصوات من بعض كـ (الطول) و (الكمية) وما يتبع ذلك من اختلاف في درجة شدة الصوت([1]) .
ومن جهات التفاوت في مستويات أداء الصوت اللغوي الإنساني ما لا يرجع إلى طبيعة عضوية ثابتة أو حالة مرضية طارئة ، أي إنه مما تتحقق فيه الإرادة الواعية للمتكلم .
والعلة الرئيسة في اختلاف درجات الصوت الإنساني ، إن لم تكن عضوية أو مرضية ، هي طلب التناسب بين مستوى الصوت أو صفته والمعنى الذي يراد التعبير عنه ، فلا يرتفع الصوت أو ينخفض أو يمتد أو يُختلس أو تتغير نبرته بأي شكل كان إلا لكي يتناسب مع غاية الكلام أو معناه ، وهذا مما عرفه القدماء من مناطقة ولغويين ، وكاد ينحصر عند الفريق الأول في ضمن منحى منهجي معين ، هو الكلام على ما تقتضيه (صناعة الخطابة) ، ذلك أن تحكم الخطيب في مستوى الأداء اللغوي يعد من المقومات المثلى لهذه الصناعة ؛ قال الفارابي (ت 339 ه) : «ومنها : أن تكون كيفية القول والصوت والنغمة الخارجة مع القول تُخَيِّلُ الأمرَ الذي فيه القول ، مثل أن يُخبر الإنسان عن نفسه بمصائب نالته ، ويجعل صوته صوت خاشع . وأن يخاطب إنسانا فيتوعَّده ، فيجعل صوته صوت مستطيل غضبان»([2]) .