صلحاء مدينة فاس من خلال كتاب « بيوتات فاس الكبرى » مقاربة بروسوبوغرافية
يعتبر موضوع البيوتات العلمية من الظواهر البارزة في الثقافة العربية الاسلامية منذ القديم، حيث برزت أسر توارث أعقابها العناية بشتى العلوم والمعارف، فنال أفرادها أرفع المناصب والوظائف، لكونهم تلقوا تنشئة غنية بالقيم والثقافة السائدة والاهتمامات الغالبة على أسرهم، فاشتهرت أسر غلب على أبنائها الاهتمام بالتجارة، أو الأدب شعرا وكتابة، أو الصلاح والولاية، أو الطب أو الفلك.
تنبه المؤرخون وأصحاب التراجم المغاربة لظاهرة البيوتات في الثقافة الإسلامية، فخصوها بمؤلفات وافرة وأرخوا لها إما عن طريق العناية ببيوتات العلم في حاضرة معينة، وقد استأثرت مدينة فاس بنصيب وافر من هذه المؤلفات من قبيل: « بيوتات فاس الصغرى »([1])، لعبد الرحمن الفاسي، و »زهر الآس في بيوتات فاس »([2])، لعبد الكبير بن هاشم الكتاني. وإما عن طريق تخصيص المؤلف للأسرة الواحدة مؤلفا واحدا، من قبيل: كتاب « دعامة اليقين في زعامة المتقين » لأبي العباس العزفي ([3])، أو ما تم تدوينه في باب التراجم وتواريخ البلدان ومن هذا الصنيع كتاب »جنى زهرة الآس في بناء مدينة فاس » لعلي الجزنائي([4]).
وممن اهتم بالتأريخ لبيوتات مدينة فاس في العصر الوسيط، الأمير الأديب الغرناطي أبو الوليد إسماعيل بن يوسف بن الأحمر([5]) /المتوفى 807 أو 810 هـ/، المثقف المشارك في المجتمع تأليفا وتوثيقا وأدبا، يعد من أحد رجالات دولة بنى نصر التى حكمت غرناطة، ومن الشخصيات الأندلسية البارزة التي قضت فترة طويلة بالدولة المرينية، فحظيت بصلة وثيقة بالسلطان أبي عنان المريني، على امتداد فترة حكمه.
ويبدو أن كتاب « بيوتات فاس الكبرى »([6]) في الأصل مشروع دشنه ابن الأحمر، ثم أضاف إليه من اطلعوا عليه من رجالات القرن التاسع الهجري/15م، وتصرفوا فيه بالزيادة والنقصان، مصداق ذلك خلو الكتاب من أي مقدمة أو مدخل. كما أن الكتاب يحيل على عدة استنتاجات لا ترتبط بالضرورة بفكر ابن الأحمر، بقدر ما تحيل قضايا الكتاب إلى ثقافة تاريخية تعود لمرحلة نهاية القرن 09ه/15م.
إن الهدف من إعداد قراءة بروسوبوغرافية لبيوتات الصلاح بمدينة فاس بناء على ما ورد لدى صاحب « بيوتات فاس الكبرى »، هو سعي نحو التعريف بعدد من البيوتات الفاسية النبيهة وأنسابها، مع إثبات مشاهير عقب كل بيت؛ وهي خطوة لا تخلو من فائدة تتجلى أولا في تقديم مادة خبرية من منظور عالم لا يولي أهمية كبرى لفكر خرق العادة، وثانيا الوقوف على سيرة صلحاء مدينة فاس الذين استطاعوا إثبات حضورهم سواء أن كانوا ذوي اهتمام بالثروة أو النسب والحسب أو الرفعة والسمو… فكيف شكلت قضية الصلاح عاملا من عوامل بروز إحدى بيوتات فاس الوسيطية؟ وما عوامل اختفائها وتلاشيها؟ وإلى أي حد يعتبر ظهور البيوتات وتطورها ظاهرة تخضع لقواعد ناظمة ؟
([1])– تقديم وتحقيق وتعليق وفهرسة خالد بن أحمد الصقلي، سلسلة تحقيقات 2 ، آنفو برانت، فاس، 2007.
([2])– تحقيق علي بن المنتصر الكتاني، ط2، دار الأمان، الرباط، 2019.
([3])– تحقيق أحمد التوفيق، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، 1989.
([4])– تحقيق عبد الوهاب بن منصور، المطبعة الملكية، ط.2، الرباط،1991.
([5])– جمال بامي، « أبو الوليد بن الأحمر »، ميثاق الرابطة جريدة أسبوعية تصدر عن ميثاق الرابطة المحمدية، العدد 67، بتاريخ 13 يونيو 2020، ص1 http://www.almithaq.ma/
([6])– إسماعيل بن الأحمر وآخرون، بيوتات فاس الكبرى، دار المنصور للطباعة والوراقة، الرباط، 1972.