تعليم الّلغة العربيّة لغير النّاطقين بها، ودوره في التّواصل الحضاري
لعبت اللّغة العربيّة منذ العصر الجاهليّ دورًا كبيرًا بما هو أداة للتّخاطب والتّعبير عن أدقّ المشاعر وأرقّ العواطف وذلك عبر الشّعر ومعلّقاته والأدب، وبما هي لغة القرآن الخالدة بعد ذلك ولغة العِلم الأولى في العالم لقرون عدّة. إذ يرجع انتشارها إلى الثّمار الرّوحيّة التي جلبتها من الإسلام، يقول
جوستاف لوبان في كتابه حضارة العرب “إنّ العربيّة أصبحت اللّغة العالميّة في جميع الأقطار الّتي دخلها العرب حيث خالفت تماما اللّهجات التي كانت مُستعملة في تلك البلاد كالسّريانيّة واليونانيّة والقبطيّة كما ضلّت العربيّة أداة الثّقافة والفكر في إسبانيا إلى عام 1570م”(لوبان جوستاف، ص174) إلى أن بدأت شمس حضارتنا تغرب في القرون الوسطى بعد سقوط الأندلس لتشرق هذه الشّمس في أوروبا.
لذلك لا تقتصر الحاجة اليوم على بيان الدّور الذي لعبته اللّغة العربيّة منذ العصر الجاهليّ بقدر ما نحن في حاجة إلى البحث عن سُبل إعادة الاعتبار إلى هذه اللّغة داخل أوطانها وخارجها في زمن العولمة. وفي هذا السّياق الذي ترتبط فيه الصّلة بين حضارة الأمم ورُقيّها وبين لغتها تندرج زاوية البحث هذه من أجل المساهمة في توصيف واقعها ومن ثمّة في اقتراح الحلول العمليّة الممكنة لإحياء لغة المسلمين الأمم التي حفظت القرآن فحفظها رغم ما علاها من غبار، والعمل على ايصالها إلى المهاجرين من العرب في كل أنحاء العالم، وإلى الرّاغبين في تعلّمها بوصفها لغة ثانية، وذلك بناء على رغبة هذه الفئة أولا ثمّ على إملاءات المرحلة ومتطلّبات السّياق التّاريخيّ الّذي نمرّ به ونُعتبر جزاءًا لا يتجزّأ منه ثانيا، هذا الواقع الذي أصبح فيه العربيّ خاصّة والمسلم عامّة رمزا للإرهاب وأصبحت لغته هدفا للإضعاف والتّهميش لصالح لغة القويّ اقتصاديّا وحضاريّا تحت مُسمّى العولمة والإسلاموفوبيا.